كيف نشأت عادة رسم اشارة الصليب؟

الأب فاليريو مورو - اليتيا

 إن رسم اشارة الصليب هو أول حركة ايمانية نتعلمها وترافقنا خلال كلّ صلاة رسمية أو شخصية في الكنيسة. ولهذه الحركة رمزية كبيرة خاصةً عندما تترافق بكلمات: "باسم الآب والابن والروح القدس". وترقى قصة اشارة الصليب الى فترة بعيدة قد تتزامن مع فترة انطلاقة الكنيسة الرسولية التي بدأت بهيكلة ايمانها عن طريق حركات وكلمات مشتركة.
 وترقى أولى الشهادات الى حقبة آباء الكنيسة تحدثت عن اشارة صغيرة ، يرسمها الإبهام على الجبين فكانت الحركة الوحيدة المستخدمة قبل ان ترسم اشارة الصليب على الوجه ومن ثم على الجسم. وتحدث ترتليان وهو كاتب عاش ما بين القرنَين الثاني والثالث عن استخدام شخصي وعميق لإشارة الصليب. ويقول في احدى اعماله الأساسية حيث يُشبه التزام المسيحي بالمعمودية بقسم جنود الإمبراطورية: "إن انطلقنا في الطريق، إن دخلنا أوخرجنا، إن لبسنا أو اغتسلنا أو ذهبنا الى المائدة أو السرير أو إن جلسنا، نرسم في مستهل كلّ هذه الأعمال اشارة الصليب على جبيننا."
 وظهرت بعد فترة أولى الشهادات الليتورجية وابقت على اشارة الصليب الصغيرة التي ترافق المؤمن في لحظات مختلفة من ليتورجيا العماد كما وتشير الى سر فصح المسيح، من اجل العيش باتحاد مع الثالوث. وبحسب التقليد الرسولي والنص الليتورجي الروماني الذي يرقى الى القرن الثالث، يترافق آخر طردٍ للروح العدوة من المرشحين لنيل المعمودية برسم اشارة الصليب على الجبين وعلى الأذنَين والأنف. وفي النهاية، يُختم طقس المعمودية برسم الجبين بالميرون: يرسم الاسقف اشارة الصليب على الجبين ويقبله ويقول: "إن اللّه معك" فيجيب المتعمد: "ومع روحك أيضاً" (رقم 21)
 ومن ثم ترافق هذه الحركة حياة المؤمن الشخصية: "عندما تعترضك التجربة، ارسم اشارة الصليب من كل قلبك: هذه اشارة الألم، المعروفة والتي تم اختبارها في وجه الشيطان إن رُسمت بإيمان، لا ليرى الناس بل لاعتبارها درعاً واقياً." (رقم 42)
 وترقى عادة رسم اشارة الصليب على الصدر الى القرن الخامس: ظهرت في الشرق المسيحي وانتشرت بعدها في الجليل وفي الطقوس الرومانية (دهن الموعوظين الجدد بالزيت، خلال القداس عند بدء قراءة الإنجيل). وظهرت منذ البدء في الشرق عادة رسم اشارة الصليب بثلاثة أصابع مفتوحة أو اثنين في حين تبقى الأصابع الأخرى مغلقة. وتُشير هذه الحركة الى الصراعات الدينية من أجل تحديد الإيمان في الثالوث (الأصابع الثلاثة المفتوحة) أو في المسيح، الإله الحقيقي والإنسان الحقيقي (الأصبعَين المفتوحَين).
 ومرّة جديدة، ارتبطت هذه العادة بالتقليد اللاتيني. وتضم كاتدرائية مودينا (إيطاليا) منحوتة ترقى الى القرن السابع تمثل هذه العادة فنرى مجموعة من المؤمنين الذين يرسمون اشارة الصليب على جبينهم مع الأصابع الثلاثة المفتوحة قبل ان يبدأ الكاهن بقراءة الإنجيل.
 وبدأت عادة رسم اشاة كبيرة للصليب في الأديرة في القرن العاشر إلا ان المرجح هو ان هذه العادة ترقى الى فترات سابقة. فبدأ البعض برسم إشارة الصليب بالأصابع الثلاث المفتوحة انطلاقاً من الجبين نحو الصدر ومن ثم كتف الشمال وبعده اليمين. وتعتبر هذه العادة شرقية بامتياز.
 وبعد فترة، بدأ التقليد الغربي باستخدام اليد الممدودة والانتقال بها من اليسار الى اليمين. ولم يتم اعتماد هذا الشكل في القداس الروماني إلا عند اتمام الإصلاح الليتورجي في القرن السادس عشر أي بعد مجمع ترينت.
 وتجدر الإشارة الى ان رسم إشارة الصليب غالباً ما ترافق بصيغة كلامية محددة. وترقى صيغة الثالوث التي لا نزال نستخدمها اليوم الى حقبة كتابة الإنجيل واعتمدها القانون الكنسي خلال الإصلاح الكارونلجي الذي تم في القرن التاسع. وتستخدم أيضاً صيغ اخرى كتلك التي تفتتح صلاة الصباح بالقول" يا رب، افتح شفتاي" أو "يا أيها الرب الإله، الرب القدوس الذي لا يموت، اشفق علينا.
 " ورافقت هذه الحركة ومن خلال التغيرات الصغيرة التي ميزتها حياة الكنيسة على مر القرون فهي وكما أشرنا سابقاً مقدمة للحظات الإيمان التي تساعد المؤمن الذي يعيشها على ادراكها. فنحن مدعووين من خلال معموديتنا بالمسيح ان نعيش محبة الثالوث وتُذكرنا اشارة الصليب بالرجاء الذي علينا عيشه.

 

منقول من موقع الكنيسة المسيحية الالكترونية